كي لا ننسى: إيّاكم ووقف هذه الحرب/ بطرس عنداري

تشهد مدينة سيدني، حالياً، معركة ضارية، قد تتطوّر إلى حرب ضروس، تحرق في أتونها الدواوين، وتسيل دماء القصائد، وتتشرّد الأبيات الشعريّة، وتتهجّر الكلمات من أقفاصها ومخازنها.
ما زالت المعركة مقتصرة على التلاسن عبر العاتف، والخشخشة على أوراق الفاكس، وتسخير البريد لنقل العواطف المهترئة، مع قليل من التسلّل إلى صفحات الجرائد، والكثير من الثرثرة في أوساط الجرائديين من أمثالنا.
أمّا أسباب المعركة، فهي الصراع حول:
ما هو الشعر؟
من يستحق أن يكون أن يكون شاعراً؟
ما الفرق بين الجذّاب والبذيء؟
هل يجوز نشر الكلام الجامح أو السفيه قليلاً؟
لماذا يحق لنزار قبّاني أن يقول في مقال سياسي "أن بعض شيوخ النفط يلعبون بخصياتهم"، ولا يجوز لشاعر محليّ أن يتحدّث، في قصيدة ترفيهيّة، عن علاقة وديّة بين سيّدة وكلب؟
من هو الأشعر والأقول والأفصح؟
من على حق ومن على خطأ؟
ليطمئنّ الجميع بأن كل واحد منهم على حقّ، لأن الساحة مفتوحة والحريّة للجميع، والنشر مباح دون تحفّظ، ودائرة الضرائب لا تحاسب على الحكي.
لنقل ما نريد، وننشر ما نريد، دون أن نوفّر شيئاً من الأبجديّة، حتى حروف الطاء، الزاء، الخاء، الراء وغيرها.
لماذا نخاف نشر الكلمة أو ألقاءها؟ أما زال في دنيانا هذه، من يقدر أن يميّز بين الالماس والزجاج؟ أو بين الجوهرة والمزبلة؟ أو بين الصاروخ الموجّه والخيار؟
من قال لنا إن الشعر نوع واحد، هو النوع الذي يدغدغ الإحساس، ويريح النفس، ويقتصر على الإبداع وتصوير الجمال الإنساني والطبيعي؟.
ألـم نعرف أنواعاً أخرى من الشعر المنظوم هدفها الترفيه وإضحاك الناس، أو هجو الآخرين ونشر أعراضهم، وقد أضيفت مادة جديدة إلى قاموس الشّعر، هي شعر تسييل المعدة؟
لا تتعجّبوا.. فالملح الإنكليزي وزيت الخروع نوعان من ألدوية لهما مهمّة خاصّة، كما لهذه المادة الشعريّة الجديدة مهمّة خاصة أيضاً.
إيّاكم ووقف هذه الحرب، بل اتركوا القارىء يطّلع ويحكم ويختار أو يرفض ويتسلّى. لقد نشر جرير والفرزدق روائعهما، كما نشرت مشاحناتهما، واستطاع أهل الوعي تفهّم، هذا وذاك، في مستوى الإنتاج.
لتبقَ، إذن، المعركة مستمرّة.
النهار، العدد 810، 15 تمّوز 1993.
**