من الأجرأ شربل بعيني أم البيرق؟/ رفيق غنّوم

كان بودّي أن أخصّص هذا المقال للإشادة بمسرحيّة شربل بعيني الأخيرة "يا عيب الشوم"، التي أطربتنا بتغريد ثلاثمئة بلبل من مدرسة سيّدة لبنان التابعة لراهبات العائلة المقدّسة المارونيّات ـ هاريس بارك.
ولكنّ الضجّة المفتعلة حول قصيدته "قرف"، التي نشرتها "البيرق" مشكورة، بتفنّن وإتقان، أعادا إليّ أيّام كنت أنشر، عن إيمان، قصائد شربل بعيني في جريدة "صوت المغترب" بنفس الطريقة المتقنة، التي تقرّب الشعر للمتلقّي، وتحبّبه إليه.. هذه الضجّة أجبرتني على الكتابة من باب المحبّة، لا من باب النقد وفرض الآراء والإستبداد والحسد والضغينة.
حين ألقى الشاعر شربل بعيني قصيدته الرائعة "قرف"، في أمسية تكريم المحامي محمود بيضون، بدعوة من جمعيّة أبناء بنت جبيل الخيريّة، أحسست أن القاعة ، على وسعها، قد ضاقت بتصفيق المعجبين المحبّذين المتأفّفين من الأوضاع الشّاذة التي وصلنا إليها، إن كان في بلادنا، أو في مهجرنا البعيد هذا.
وكم كانت فرحتي عظيمة، عندما سمعت الأستاذ جوزيف خوري يقول، بعد انتهاء الأمسية، إنه سينشر "قرف"، وسيعلن عنها قبل نشرها، وقد وفى الرجل بوعده.
ولكن، ماذا حدث؟
كل الذين تحت إبطهم مسلّة، كما يقول المثل العربي "هاجوا وماجوا"، وألهبوا الأشرطة الهاتفيّة على مدار السّاعة، بغيّة الأخذ بالثأر، متخفّين تحت ستار نفور بعض الكلمات المستعملة في "قرف". وإليكم شرح الكلمات التي لـم تستوعبها أدمغتهم:
ـ زُبَيْر.. اسم عائلة عربيّة شهيرة، عرف كيف يستغلّه الشاعر كي لا يخدش أذواق قرّائه، دون المساس برونق صورته الشعريّة.
ـ هشّ.. ومَن منّا لـم يقلها لحمار ركبه أيّام زمان، وتناساها عندما ركب "الترومبيل".
ـ نسّ.. اسم حيوان كريه الرائحة، استعان به الشاعر لتبليغ وتوضيح صورته الشعريّة، وما أكثر النسانيس بيننا.
ـ طُز.. وقد قالها فنّان العرب الأكبر دريد لحّام أكثر من ثلاث مرّات في مسرحيّة "صانع المطر". كما أن المصريين يقولونها للدّلع والمحبّة، وما أجملها في قصيدة شربل، لأن الذين شتمونا بها هم الحكّام، مصّاصو دماء الشّعب!!
ـ من برَّا ضروب يا خرَّا.. مثلٌ شعبيّ مشهور، لا يجهله إلاّ أعمى البصيرة والبصر. وكأننا لـم نحفظ من أمثالنا الشّعبيّة مثلاً واحداً، ردّده الأجداد والآباء والأحفاد، وسنبقى نردّده إلى يوم القيامة.
إذن، فثرثرة الحسّاد، دعاة المعرفة، المراهقين، مردودة إلى صحابها. ومَن عاب على شربل بعيني نزوله إلى هذا المستوى من الشعر "المبتذل" حسب تعبيرهم، الإنساني الرّائع حسب تعبيرنا، نسي أو تناسى قصيدة المتنبّي، سيّد الشّعراء، في هجاء "ضبة بن يزيد الطرطبّة"، والتي كشف بها كل ما يخجل الإنسان من كشفه، ومن لـم يقرأ قصيدة المتنبي التي مطلعها:
ما أنصَفَ القَوْمُ ضبَّه
وأمّه الطّرطبّه
وما يَشْقى على الْكَلْبِ
أن يكونَ ابنَ كَلْبَه
والتي تفوق بروعتها، رغم إباحيّتها، جميع ما كتب المتنبّي من قصائد، لأنّها نابعة من "قرفه" الجارف، وتأفّفه من تلك الخنافس العالقة بذيل حصانه، بإمكاني أن أزوّده بنسخة عنها.
أخيراً، لا يسعني إلاّ أن أقول: إن جرأة "البيرق"، وجوزاف خوري بالذات، قد فاقت جرأة شربل بعيني، لأن شربل كتب، و"البيرق" نشرت وأوصلت ونجحت.. فألف شكر.
البيرق، العدد 672، 3 تمّوز 1993.
**