قصيدة العصر/ علي عيسى

القصيدة التي نشرتها "البيرق"، على حلقات، بعنوان "قرف"، تعتبر أكثر من رائعة، لأن شاعرها عرف كيف ينقل أحاسيس الناس إلى مَن يمتصّون دماءهم، ويتلاعبون بعواطفهم، بأموالهم، بأوطانهم وبفلذات أكبادهم. والمدهش حقّاً، أن الشاعر عرف كيف ينتقي مفرداته الصّارخة، لتجيء صرخته أقوى وأعمق وأشمل.
في اجتماع ضمّنا مع بعض المثقّفين، قال أحدهم: إن شربل بعيني أجرأ شاعر قرأته بعد مظفّر النوّاب الشاعر العراقي الشهير، الذي صاح، حدّ الإختناق، بوجه مَن باعوا القدس: "أولاد القحبة". إذن، فمظفّر النوّاب ليس بشاعر بذيء، كما أن شربل بعيني لـم يتطرّق إلى البذاءة إلاّ من باب "داوني بالّتي كانت هي الدّاء".
كل شيء بذيء في زمننا هذا!..
كل خبر نسمعه يسمّ البدن حتى يوم الدين!..
كل حاكم يحكمنا، يحصد من رقابنا الملايين، ونحن نصفّق له ونمنحه ثقتنا المطلقة كالبلهاء!
كل مَن هاجر إلى أستراليا تنكّر لأصله وفصله ودينه ودنياه!
فشربل بعيني يريد من محمد العربي أن يبقى عربيّاً، لا أن يتحوّل إلى "ماكس"!.. فالاسم الّذي يحمله مقدّس، والتمسّك به واجب. كما أن نجيبة سايرت الحريّة المباحة بترك زوجها واقتناء كلب يُراودها!
للّـه درّك يا ابن البعيني، يا ابن مجدليّا، يا صوت النّاس المقهورين، الضائعين، السّائبين إلى أبد الآبدين!
وللّـه درّك يا "بيرق" على ما قدّمته لنا، الأسبوع الماضي، من شعر، أيقظ فينا عاداتنا وتراثنا وأخلاقياتنا، وعرّانا من أوراق التين التي نستر بها غربتنا!
إن قصيدة "قرف"، بنظري ونظر كل الشرفاء من أبناء الجالية، تعتبر قصيدة العصر، لأنّها مكتوبة بصدق، ومحبّرة بدمع عيون شاعر ما عرف إلاّ الصدق، وما نطق إلاّ بالصدق.
بنت جبيل البطلة، دخلت الشعر الحرّ من باب الحريّة، التي ستنعم بها بإذن اللـه. ومحمود بيضون الشاعر الضائع بين السجن والغربة، عرف قيمة "قرف" الشعراء، من قرفه الذي أحسسناه في قصائده الخالدة.
حاشية:
نطالب "البيرق" بإعادة نشر القصيدة، لأنّ الرّغبة في الحصول عليها، من الذين لـم يحصلوا عليها بعد، تفوق كلّ رغبة.
البيرق، العدد 676، 13 تموز 1993.
**